حين يفقد الطفل… لا يفقد فقط من يحب
بقلم د. عائض بن ظافر
الفقد تجربة إنسانية قاسية، لكن حين يكون صاحبها طفلاً، فإنها تتجاوز حدود الحزن إلى عمقٍ نفسيٍّ واجتماعيٍّ يحتاج إلى رعايةٍ خاصة. فالطفل الذي يفقد شخصًا عزيزًا، لا يعيش فقط غياب ذلك الشخص، بل يعيش ارتباكاً في الأمان والهوية والانتماء، لأنه لم يمتلك بعدُ أدوات الفهم أو التكيف مع هذا النوع من الألم.
في مجتمعاتنا، كثيراً ما نميل إلى إسكات الطفل الحزين بدافع الشفقة، فنطالبه بالكف عن البكاء أو نُغيّر الموضوع سريعاً، ظنّاً منا أننا نحميه. بينما الحقيقة أن الطفل يحتاج أن يتكلم، ويسأل، ويُعبّر. يحتاج أن يُقال له بصدق: “نعم، رحل من تحب، ولكنك لست وحدك، ولن تُترك وحدك.”
وهنا يمكن قراءة الظاهرة من منظور نظرية الدعم الاجتماعي (Social Support Theory)، التي تؤكد أن الأفراد – خصوصاً الأطفال – يكتسبون القدرة على مواجهة الصدمات من خلال شبكة العلاقات التي تحيط بهم، سواء كانت أسرية أو تعليمية أو مجتمعية. فكل كلمة صدق، وكل احتواءٍ دافئ، يُعدّ حماية نفسية للطفل في مواجهة الفقد.
كما تنظر الخدمة الاجتماعية إلى هذه الحالة من خلال نظرية النسق (Systems Theory)، التي ترى أن الطفل جزء من منظومة مترابطة (أسرة، مدرسة، مجتمع)، وأي خلل أو فقد في أحد مكونات النسق يتطلب تدخلاً داعماً من بقية المكونات. فدور الأخصائي الاجتماعي هنا هو إعادة التوازن، لا بتخفيف الحزن فقط، بل بتمكين الطفل من بناء علاقات جديدة تُعيد له الأمان.
إن تجاهل مشاعر الفقد في مرحلة الطفولة قد يولّد فجوات نفسية تمتد إلى المراهقة والرشد. فالطفل الذي لم يُحتضن حزنه قد يكبر وهو يُخفي ألمه خلف صمتٍ أو قسوةٍ أو عزلة. لذلك فالمسؤولية تقع على الأسرة والمدرسة والمجتمع في أن يوفّروا بيئة آمنة، تُشعر الطفل أن فقده مفهومٌ ومقبول، لا عيب فيه ولا ضعف.
يجب أن ننتبه إلى أن الفقد ليس نهاية، بل بداية لمرحلة من إعادة بناء الذات. فحين نعلّم الطفل كيف يتعامل مع الفقد، نحن لا نعلّمه الحزن، بل نعلّمه الحياة بعد الحزن.
ويأتي هذا المقال ضمن جهود الجمعية سعادة الطفل لتعزيز الوعي النفسي والاجتماعي بالطفولة، وبناء مبادرات تُعنى برعاية الطفل الذي مرّ بتجربة فقد، دعماً لرسالة الجمعية في تمكين الإنسان وتحسين جودة حياته.