الفقد ... حين يصمت الوجود
الفقد ليس مجرد غياب، بل هو مساحة من الصمت تترك خلفها فراغًا لا يُملأ، وحنينًا لا يهدأ. هو لحظة يختبر فيها الإنسان هشاشته النفسية، ومدى قدرته على مواجهة الظروف، كما أن الفقد معلّمٌ خبير.
يُعلّمنا بطريقةٍ قاسية معنى التعلّق بالمفقود، ومعنى الانفصال بين الذات والذات. ويكشف لنا أن الزمن لا يرمم الجراح التي فُتِحت ولم يتم إغلاقها، بل يُعلّمنا فقط كيف نسير ونحن نحملها في أعماقنا. فالفقد لا يُنسى، بل يُعاد ترتيبه في داخلنا حتى نصبح قادرين على العيش رغم ثِقله، أو مستسلمين لضعفنا أمامه.
وللفقد وجوه كثيرة؛ فهناك فقدُ الأحبة، حين يغيبون بالموت أو المسافة، وهناك فقدُ الذات، حين يبتعد الإنسان عن نفسه شيئًا فشيئًا حتى لا يعرف مَن يكون. وهناك فقدُ الأحلام، حين ينهار ما بنيناه في لحظة، تاركًا خلفه رماد الأمل.
لكن وسط كل هذا الألم، للفقد وجهٌ آخر خفيّ: فهو الذي يجعلنا نُدرك قيمة ما كان بين أيدينا، ويزرع فينا بداية الصبر، وحكمة النضج، ويُعيد تعريفنا للحياة. الفقد يعلّمنا أن الجمال لا يدوم، وأن الحب الحقيقي هو ما يبقى أثره رغم الغياب.
د. عبد الرحمن عبيد العازمي
المستشار النفسي والأسري
بجمعية سعادة الطفل
الفقد ليس نهاية كل شي كما يبدو، بل بداية طريق جديد، نتعلم فيه أن نرى النور في العتمة، وأن نحيا بما تبقى، لا بما فقدنا. وربما يكون هذا هو المعنى الأسمى للحياة: أن نستمر رغم الانكسار، وأن نحب رغم الخسارة، وأن نبتسم رغم الغياب. فالفقد وجها يختبئ خلف الغياب.